الخميس، 26 يونيو 2008

سيمفونية المرأة


إن المرأة آلة موسيقية ، أعظم و أرق آلة على مر التاريخ . إذا استطاع صاحبها أن يعزف عليها بالشكل الصحيح فإنها تخرج روائع بل .. و سيمفونيات خالدة تفوق روميو و جوليت ، أنطونيوس و كليوباترا ....
و لكن ، إنها ليست آلة جامدة لا حياة فيها ، تخرج الروائع لتعطيها للآخرين دون أن تشعرها هى ، بل هى آلة عاقلة ، رومانسية ، لها مشاعرها الرقيقة لذلك فهى لا ترحم من يعزف عزفًا خاطىءً على أوتارها لانه يؤلمها . فهى تحاول أولا أن تعطيه الفرصة ليعزف العزف الصحيح و لكن إذا لم يستطع فإنها تتحول عن الرقة و الحب إلى .. الكره لتعطيه أقبح السيمفونيات التى قد تتحول إلى سيمفونيات قاتلة ( و هذا ـ فى نظرى ـ أول أسباب حوادث المرأة التى نسمع عنها ) فبسبب العزف الخاطىء ، القاسى لشخصٍ ما على أحد أوتارها أدى إلى قطعه أو جرحه فكشرت عن أنيابها لتنتقم منه ، بل و أحيانا من كل الناس .
أما عن الذى لا يحاول أن يعزف من الأساس أو يفضل عدم العزف و الإبتعاد عنها و الإستمتاع بموسيقاها من بعيد و الحكم عليها دون أن يكون طرف فى العزف فهو بالنسبة لها شخص محايد ـ لا حبيب ولا عدو ـ و لكن ذلك لا يمنع فى بعض الأحيان إلقاء بعض لعناتها عليه لأنه فى نظرها " ليس عنده نظر " لأنه لا يقدر جمالها و لم يحاول أن يعزف عليها ، ولكنه فى النهاية محايد .
أما عن أحبائها ، فهم ليسوا فى مأمن أيضا . فقد تنقلب عليهم أحيانا إذا مسوا أحد الأوتار المقطوعة أو الجريحة لأنها لا تنسى جروحها أبدًا مهما طال الزمن .
و لا أجد أفضل من كلام الرسول صلى الله عليه و سلم لكى أستشهد به فهو (صلى الله عليه وسلم ) أخبر الخلق بأمور النفس و هو أفضل مربى فى التاريخ .
أستشهد بهذا الكلام الخالد من رجل علمه الله عز و جل ، فعن المرأة يقول (صلى الله عليه و سلم ) : " أوصيكم بالنساء خيرًا ، فإنهن من ضلع أعوج و إن أعوج ما فى الضلع رأسه ، إن أنت أتيت تقومه كسرته و إن أنت تركته استمتعت به على عوجه "
. صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم )
فقد كان و لايزال ـ إن صح التعبير و إن لم يكن فيه إهانة لحضرته صلى الله عليه وسلم ـ أعظم عازف على أوتار النفس البشرية و أعظم مكتشف للأوتار الخفية فيها . فهو حقا : " علمه شديد القوى ، ذو مرة فاستوى " صدق الله العظيم
و الحمد لله الذى أهدانا المرأة لتخفف عنا عناء الحياة برقتها و عذوبتها فقد كانت هدية عظيمة من الخالق العظيم فى أول عيد ميلاد بشرى ، عيد ميلاد آدم عليه السلام . فلنتعلم كيف نصون هذه الهدية الخالدة ، هذه الآلة الرقيقة . و كيف نخرج منها الروائع و نتجنب كيدها ( نعوذ بالله من شرها ) ، بل و كيف نربى آلاتنا الصغيرة و نعد فيهن الأوتار الرقيقة الجميلة و أن نهدم الأوتار السيئة التى تخرج الأصوات القبيحة مستعينين فى ذلك بالله و بتعاليم الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) ، والله المستعان .
فهذه كلمات أرجو أن أكون قد وفقت فيها و أن أكون محايدا فيها لأن التاريخ قد أثبت لنا أن أكثر الناس إفادة للمرأة هم المحايدين لها ، ليسوا أحباءها الذين لا يرون أخطاءها ، ولا الأعداء الذين قتلوها و عذبوها . و إنما الذى يقف بعيدا هو الأقدر على وصفها و تقويمها و إفادتها .......


كريم حبيشى

الاثنين، 23 يونيو 2008

لحظة بدون عنوان


يترنح فى مشيته فى ذلك الشارع الخالى تماما إلا من بعض العائدين من صلاة الفجر .. ضامما يديه على صدره و محاولا التركيز أثناء السير حتى لا يقع أو يصطدم بشىء ، يرى كل ما حوله كأنه نابع من بئر عميق بداخل عينيه .. زاد من هذا الاحساس عتامة المنظار الطبى الذى استقر فوق أنفه فجعله يرى أضواء العواميد مشعة فى كل اتجاه على زجاج النظارة ، فجأة انتبه لمرور سيارة تاكسى بجواره ، إن هذا هو بغيته الوحيدة الآن و لكنه لم يلحق به ، فهو لم ينتبه إلا بعد أن كان قد ابتعد عنه .. عزم أمره أن يجمع تركيزه حتى لا تفوته فرصة كهذه ثانية ، ماهى إلا ثوانى و رأى سيارة قادمة من نهاية الشارع .. حاول التركيز فى لونها ليتأكد أنها تاكسى ، ظل ناظرا إليها باذلا جهدا كبيرا فى التركيز ، لم يستوعب أنها تاكسى إلا بعد اقترابها منه ببضع خطوات .. أشار للسائق فوقف له .. قاطعا تلك المسافة القصيرة إلى مكان توقف السيارة ناوبه إحساس مبهم بأنه علم أنها سيارة تاكسى قبل أن يشعر بأنه علم ذلك ، يساغرب من تأخر إدراكه و تأخر رد فعله لهذه الدرجة .. يحاول فتح باب السيارة و لكن لا يستطيع ، لا يحاول التجربة مرة أخرى ، انتظر حتى فتح له السائق الباب .. دخل السيارة و اغلق الباب ملقيا السلام على السائق مخبرا إياه بوجهته و هى " موقف الجامعة يا باشا " ، ينطلق السائق بادئا كلامه الذى لم يسمع منه شيئا و لم يركز فيه ، فهو فاقد للتركيز البشرى الآن .. يفكر فى سبب هذه الحالة الغريبة ، يتذكر أنه قد استسلم للنوم الليلة الماضية أو لنقل الساعات الماضية قبل ساعتين فقط و استيقظ مسرعا على صوت المنبه ليلحق بذلك الموعد فى بلده التى تبعد ساعة عن تلك البلد .. ينظر بين حين و آخر ملقيا إليه الابتسامات على كلامه أو معقبا عليه بكلمات مثل " آه ، بجد ، و الله ! " ينبهه السائق أنهم قد وصلوا لوجهته .. يخرج المال من جيبه ليعطيه للسائق ، يخرج من السيارة ، مارا بعرض الشارع ليصل لمكان وقوف تلك السيارة التى يصيح صاحبها " بنها ، بنها ، بنها " سائلا السائق لكى يتأكد " بنها يا باشا ؟!" ، " اركب يا بيه " بدخل للسيارة جالسا فى المقعد الثانى خلف السائق بجوار النافذة ، راكنا رأسه على النافذة المغلقة ، ثم يخرج الأجرة من جيبه لتكون جاهزة حتى لا يتكلف عناء الحركة مرة أخرى أثناء سير السيارة .. ما إن أسند رأسه مرة أخرى للنافذة حتى شعر و كأنه أصبح فى عالم آخر ، عالم موازى لهذا العالم .. يرى الناس و يسمعهم و لكنه لا يعتقد أنه يفهم أو يدرك أى شىء مما يدور حوله ، هنا تدرك حقيقة الحياة .. هنا تعلم أنك تعيش فى حلم ، لا تستطيع إدراك ذلك إلا عندما تخرج منه ، إنه الآن يرى الحياة و الناس و الأشياء من حوله كأنها حلم كبير .. ذلك الرجل الذى دلف لمؤخرة السيارة حاملا " سبت " صغير به بعض الخضروات ، هذا الرجل الذى يجلس أمامى الذى ينظر للرجل الأول باشمئزاز .. يريد أن يضحك لكنه لا يستطيع ، لا تسعفه قواه الانفعالية لذلك الآن .. تدلف تلك الفتاة لتجلس بجانبه ، بعد جهد و عزيمة كبيرة يعتدل فى جلسته لكى يترك لها مساحة مريحة للجلوس ، تضع تلك الحقيبة الكبيرة بجواره أولا حتى تدخل هى بعدها ، تحاول رفع الحقيبة لتضعها على فخذيها ، يشعر أنها فى موقف صعب ، يود مساعدتها لكنه لا يستطيع ، ربما إن قابلها فى وقت آخر سوف يساعدها .. عذرا اليك سيدتى ، لكننى غير مستعد الآن لفعل أى شىء .. يفكر ، " فوتى علينا بكرة يا هانم " يبتسم فى دخيلة نفسه ، فعضلاته غير قادرة حتى على جهد الابتسام .. يريح رأسه مرة أخرى على النافذة .. هذه المرة تختلط أحلامه هو بأفكاره المشتتة ، بذكريات الليلة الماضية ، بالمناظر التى يراها من زجاج السيارة مكونة معا خليطا عجيبا من النشوة الممزوجة بالجهد و شىء من الجنون يزيد من تشتته ، خلد فى هذه الحالة مدة لا يعرفها قصرت أم طالت ، على كل حال لقد فاق على صوت السائق يقول " مين اللى مادفعش يا بهوات " متذكرا أنه لم يدفع الأجرة .. يمد يده بالأجرة للذى يجلس أمامه ، يريد أن يعتذر للسائق عن تأخره لكن يفوز أيضا الكسل .. احساس غريب أن يدفعك كسلك للاستسلام له ، يصبح كل شىء عادى جدا ، لأنك لن تتكلف عناء أن تجلعه غير عادى ، لكنه لم ينم حتى لا يلحظ حركة جمع الأجرة بين الركاب ، ينظر من النافذة ، يتأكد انه كان يرى تلك المناظر من حوله فكيف نام إذا ؟! هل من المعقول أن يكون نام مفتح العينين ؟! يمكن .. قد ينام عقله و عينيه مفتحة ..
ينتبه لتوقف السيارة ، تستعد تلك الفتاة للنزول .. يلمح دبلة فى اصبعها ، لا يحدد إذا كان فى اليمين أم اليسار ، ترى هل هى متزوجة ؟! هل مخطوبة ؟! هل لا هذا و لا ذاك و إنما هى فقط تحاول التخلص من المتطفلين بارتداء هذه الدبلة ؟! يسرح لفترة قصيرة فى أفكار طفولية عنها تكون قد غادرت خلالها تلك الفتاة السيارة .. يعود للنظر من الزجاج و هو ساندا عليه رأسه .. يغرق هذه المرة فى نوم ممزوج باليقظة ، يشعر أنه نائما ، و لكنه يرى الناس و الأشياء فى الشارع ، يلحظ لافته وضع عليها " مدينة بنها ترحب بكم " علم أنه ظل فى هذه الحالة ما يقارب ثلث الساعة منذ نزلت تلك الفتاة حتى وصل لبنها .. يحاول أن يبقى يقظا حتى يصل لمكان التوقف ، لكنه بعد دقيقة مرت عليه كساعة من شدة صراعه مع النوم يدرك أنه لا فائدة من المقاومة ، يستسلم داعيا الله ألا يغرق فى النوم ..
يستعيد ادراكه مع التفاف السيارة قبل دخول الموقف ، يستعد للنزول بعد دقيقة ، لكنها طالت عليه فعاد لسكونه و استرخائه مرة أخرى ، توقفت السيارة أخيرا .. فتح الباب و بدأ الجميع بالنزول ، لقد نزل من يركبون خلفه ، لا يجب أن يخرج الأخير من السيارة ، فليستجمع قواه لينزل قبل هؤلاء الذين يجلسون فى الصف الأخير .. يخرج من السيارة ليجد نفسه كالتائه ، و كأنه طفل صغير لا يعرف الاتجاهات و لا يستطيع ادراك ما حوله .. تماما كمن أخذ جرعة حشيش لتوه .. بعد جهد ذهنى كبير يستطيع تحديد وجهته لتلك السيارة التى ستأخذه ـ إن شاء الله ـ إلى حيث يريد ...



كريم حبيشى